أحلام مستغانمي:فوق كل كريم كريم، وأعظم الكرماء، الله تعالى
صفحة 1 من اصل 1
أحلام مستغانمي:فوق كل كريم كريم، وأعظم الكرماء، الله تعالى
فوق كل كريم كريم، وأعظم الكرماء، الله تعالى
أحلام مستغانمي
( زهرة الخليج)
لا أعتقد أنه سينساني، سائق الأجرة الذي ركبت سيارته البائسة قبل سنتين. ما كنتُ أتوقع، ما كانت عليه من بهدلة في الداخل، ولكنني أمام فرحته بالعثور على راكب، سلّمت أمري لله، وجلست خلفه.
وعندما سرنا شوطاً من دون أن يقاسمني أحد "فخامة" كراسي السيارة المهترئة، مددته بخمسة آلاف ليرة (3 دولارات) بدل ألف. لأعوض عليه ثمن أربعة ركاب آخرين، فاتسعت أساريره، وشكرني. تذكرت ابني وليد المقيم حالياً في لندن، عندما كان يستجديني كي أطلب "تاكسي" لشركة محترمة، كما كان يفعل هو في تنقلاته، مضيفاً: "إن ما توفرينه تدفعينه صدقة أثناء انتظارك سيارة أجرة عمومية.. أرجوك ماما، كفي عن جنونك".
سألتُ الرجل: "لماذا تركت سيارتك في هذه الحالة؟ أمعاؤها لَبرة.. وشرايينها تتدلى؟". كان ينتظر من يشكوه همه وغمّه، غير متوقع نجدة من أحد. أخرج ورقة طبية من صندوق سيارته، وقال: "منذ سنة والطبيب يقول: إن لم تُجرِ عملية القلب ستقع يوماً ميتاً على مقود السيارة. لبلِّش الأول بشراييني وبعدين ألحق شرايينها".. طالعت التقرير الطبي، قرأت الاسم نفسه المكتوب معلقاً في السيارة للتعريف بهوية السائق، كان الرجل صادقاً.
سألته: "ولماذا تأخرت إذن؟". ردَّ بسخرية المغلوب على أمره: "من أين لي المال يا بنتي، لي ضمان صحي لا يغطي كل العملية، ومهما اشتغلت ماراح جمّع مصاري.. وبعدين كيف راح أمّن للعائلة مصروفها وأنا في المستشفى.. كيف راح يعيشوا؟".
بدأ قلبي يعتصر ألماً. فتحت حقيبتي وأمددته بمئتي دولار، فأمسك الرجل بالورقتين وهو على حافة البكاء.. وراح يدعو دعاءً ما سمعت مثله. فقلت وأنا أرى رقم الطبيب: "اطلب طبيبك واسأله عن أقرب موعد لإجراء العملية". لم يصدق الرجل سمعه، ركن السيارة جانباً، وتحدث للطبيب، واتفقا على تاريخ 26 الشهر الجاري، أذكر التاريخ لأنني هاتفته بعدها لأطمئن عليه، ففاجأني باعترافه بأنه لم يُجرِ العملية، وبأن زوجته دخلت المستشفى لأسباب صحية خطيرة، فأنفق المال عليها.
كان كبيراً لم يطلب مني شيئاً بعد ذلك. اتصل بي مرتين ليعايدني، برغم كونه يعرف عنواني. ابني مروان صاح بعد ذلك: "لماذا تأتيننا بالشحاذين حتى البيت". وهو يراني أدخل عجلى إلى غرفتي وأعود بمبلغ أمده به، أختي كانت تقول الكلام نفسه، اعتادت أيام إقامتها في بيروت أن تراني أصل بيتها على عجل، وأطلب منها مبلغاً أعطيه السائق، لأن ما في حقيبتي لا يكفي حاجته.. وما قصّ عليّ من هموم.
باختصار، كنت أعتقد أنني كريمة. فقصصي مضرب مثل، وتندر أيضاً، فأهلي يعتقدون أنني ساذجة، وأن الناس يضحكون عليّ. فأرد: "إن من ضحك عليّ فقير ومحتاج.. لا رجل أعمال.. أو نصاباً دولياً".
كنت أعتقد، أن لا أحد دفع ثمن مقعدٍ بائس في سيارة أجرة، أغلى من ثمن السيارة نفسها، حتى قرأت أن رجلاً وهب سائقه إحدى كليتيه لينقذه من الموت، فأستحيت من نفسي. ماذا يساوي مبلغ من المال مقابل عضو من جسدك يقتلع منك بملء إرادتك، بعد عملية وبنج.. وإقامة في مستشفى، كي تهبه لمريض ليس قريبك وإنما عامل عندك.. لا غير؟
مؤخراً، قص عليّ صديق سعودي قصة رجل من سراة عبيدة في الجنوب، كان يعاني فشلاً كلوياً، ويُجري باستمرار غسيل كلى، حتى سمع أن هناك زراعة للكليتين في باكستان، غير مكلفة. فقد كان الرجل غير ميسور الحال، ما اضطره إلى بيع بيته بخمسين ألف ريال كي يسدد ثمن العملية (30 ألف ريال)، وينفق الباقي على سفرته.. وتدبُّر عائلته. وقبل إجراء العملية، طلب الرجل أن يلتقي من سيهبه كليته. كانت امرأة. سألها: "لماذا تبيعين كليتك؟". قالت: "لأعول أطفالي". فتأثر الرجل وحزن لكلامها، وقدّم لها الثلاثين ألف ريال، ثمن العملية، وعاد إلى قريته بكليتيه المعطوبتين، وعاوده عذاب غسيل الكلى، وكانت المعجزة عندما اكتشف الأطباء أن كليتيه صارتا تعملان بصورة طبيعية، واستعادتا قدرتهما على أداء وظائفهما كاملة.
فوق كل كريم كريم، وأعظم الكرماء، الله تعالى.
العودة إلى صفحة ثقافة
[img][/img]
أحلام مستغانمي
( زهرة الخليج)
لا أعتقد أنه سينساني، سائق الأجرة الذي ركبت سيارته البائسة قبل سنتين. ما كنتُ أتوقع، ما كانت عليه من بهدلة في الداخل، ولكنني أمام فرحته بالعثور على راكب، سلّمت أمري لله، وجلست خلفه.
وعندما سرنا شوطاً من دون أن يقاسمني أحد "فخامة" كراسي السيارة المهترئة، مددته بخمسة آلاف ليرة (3 دولارات) بدل ألف. لأعوض عليه ثمن أربعة ركاب آخرين، فاتسعت أساريره، وشكرني. تذكرت ابني وليد المقيم حالياً في لندن، عندما كان يستجديني كي أطلب "تاكسي" لشركة محترمة، كما كان يفعل هو في تنقلاته، مضيفاً: "إن ما توفرينه تدفعينه صدقة أثناء انتظارك سيارة أجرة عمومية.. أرجوك ماما، كفي عن جنونك".
سألتُ الرجل: "لماذا تركت سيارتك في هذه الحالة؟ أمعاؤها لَبرة.. وشرايينها تتدلى؟". كان ينتظر من يشكوه همه وغمّه، غير متوقع نجدة من أحد. أخرج ورقة طبية من صندوق سيارته، وقال: "منذ سنة والطبيب يقول: إن لم تُجرِ عملية القلب ستقع يوماً ميتاً على مقود السيارة. لبلِّش الأول بشراييني وبعدين ألحق شرايينها".. طالعت التقرير الطبي، قرأت الاسم نفسه المكتوب معلقاً في السيارة للتعريف بهوية السائق، كان الرجل صادقاً.
سألته: "ولماذا تأخرت إذن؟". ردَّ بسخرية المغلوب على أمره: "من أين لي المال يا بنتي، لي ضمان صحي لا يغطي كل العملية، ومهما اشتغلت ماراح جمّع مصاري.. وبعدين كيف راح أمّن للعائلة مصروفها وأنا في المستشفى.. كيف راح يعيشوا؟".
بدأ قلبي يعتصر ألماً. فتحت حقيبتي وأمددته بمئتي دولار، فأمسك الرجل بالورقتين وهو على حافة البكاء.. وراح يدعو دعاءً ما سمعت مثله. فقلت وأنا أرى رقم الطبيب: "اطلب طبيبك واسأله عن أقرب موعد لإجراء العملية". لم يصدق الرجل سمعه، ركن السيارة جانباً، وتحدث للطبيب، واتفقا على تاريخ 26 الشهر الجاري، أذكر التاريخ لأنني هاتفته بعدها لأطمئن عليه، ففاجأني باعترافه بأنه لم يُجرِ العملية، وبأن زوجته دخلت المستشفى لأسباب صحية خطيرة، فأنفق المال عليها.
كان كبيراً لم يطلب مني شيئاً بعد ذلك. اتصل بي مرتين ليعايدني، برغم كونه يعرف عنواني. ابني مروان صاح بعد ذلك: "لماذا تأتيننا بالشحاذين حتى البيت". وهو يراني أدخل عجلى إلى غرفتي وأعود بمبلغ أمده به، أختي كانت تقول الكلام نفسه، اعتادت أيام إقامتها في بيروت أن تراني أصل بيتها على عجل، وأطلب منها مبلغاً أعطيه السائق، لأن ما في حقيبتي لا يكفي حاجته.. وما قصّ عليّ من هموم.
باختصار، كنت أعتقد أنني كريمة. فقصصي مضرب مثل، وتندر أيضاً، فأهلي يعتقدون أنني ساذجة، وأن الناس يضحكون عليّ. فأرد: "إن من ضحك عليّ فقير ومحتاج.. لا رجل أعمال.. أو نصاباً دولياً".
كنت أعتقد، أن لا أحد دفع ثمن مقعدٍ بائس في سيارة أجرة، أغلى من ثمن السيارة نفسها، حتى قرأت أن رجلاً وهب سائقه إحدى كليتيه لينقذه من الموت، فأستحيت من نفسي. ماذا يساوي مبلغ من المال مقابل عضو من جسدك يقتلع منك بملء إرادتك، بعد عملية وبنج.. وإقامة في مستشفى، كي تهبه لمريض ليس قريبك وإنما عامل عندك.. لا غير؟
مؤخراً، قص عليّ صديق سعودي قصة رجل من سراة عبيدة في الجنوب، كان يعاني فشلاً كلوياً، ويُجري باستمرار غسيل كلى، حتى سمع أن هناك زراعة للكليتين في باكستان، غير مكلفة. فقد كان الرجل غير ميسور الحال، ما اضطره إلى بيع بيته بخمسين ألف ريال كي يسدد ثمن العملية (30 ألف ريال)، وينفق الباقي على سفرته.. وتدبُّر عائلته. وقبل إجراء العملية، طلب الرجل أن يلتقي من سيهبه كليته. كانت امرأة. سألها: "لماذا تبيعين كليتك؟". قالت: "لأعول أطفالي". فتأثر الرجل وحزن لكلامها، وقدّم لها الثلاثين ألف ريال، ثمن العملية، وعاد إلى قريته بكليتيه المعطوبتين، وعاوده عذاب غسيل الكلى، وكانت المعجزة عندما اكتشف الأطباء أن كليتيه صارتا تعملان بصورة طبيعية، واستعادتا قدرتهما على أداء وظائفهما كاملة.
فوق كل كريم كريم، وأعظم الكرماء، الله تعالى.
العودة إلى صفحة ثقافة
[img][/img]
eng-rama- المدير العام
-
عدد الرسائل : 10
العمر : 35
الوظيفة : لاشيء
العمل/الترفيه : طالبة
الدولة : سوريا
تاريخ التسجيل : 23/10/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأربعاء 3 نوفمبر - 15:51 من طرف د.عبد الله
» أهلا بالأخ ابراهيم
الأربعاء 27 أكتوبر - 15:14 من طرف Gilgamesh
» شوفو شو بيعملو بالليمون والبرتقال !!!
الأحد 5 أكتوبر - 19:47 من طرف sham
» بتمنى...............................
الأحد 5 أكتوبر - 19:36 من طرف sham
» مقهى الأحزان
الخميس 28 أغسطس - 13:25 من طرف ameen
» مقهى الأحزان
الخميس 28 أغسطس - 13:21 من طرف ameen
» رسائل انكليزية
السبت 19 يوليو - 11:50 من طرف sham
» << مسجــــــــــــات في منتهى الروعة >>
السبت 19 يوليو - 11:30 من طرف sham
» الى كاااافة الأعضاء
الأحد 13 أبريل - 18:41 من طرف sham